كلما اقتربت الحافلة التي كانت تقلنا من وجهتها، بدت ملامح مدينة بنكرير أكثر بروزا؛ والتي صادف وجودنا بها إقامة مهرجان الفروسية. المدينة أشبه بقرية كبيرة ملامحها لا تشي بأنها تحتضن أكبر مركز بحثي في المغرب للطاقة الخضراء. شوارعها عادية، يغلب عليها المناخ شبه الصحراوي، لا أشجار أو أعشاب أو ورود، رغم أننا في فصل الربيع. الجدران الخارجية للمنازل مطلية باللون البرتقالي، حتى لا تحول الشمس البيوت إلى أفران. لكن ما يلفت الانتباه أننا ما إن اقتربنا من مركز «green parck energie»، حيث لم تعد تفصلنا عنه سوى بضعة كيلومترات، حتى تحولت الشوارع إلى جنة خضراء. تغيرت ملامح المدينة وكأننا في مدينة أخرى غير التي مررنا بها قبل دقائق، المكان شبه معزول عن السكان والناس، محاط بسور كبير.
البناية عصرية العمران، تبدو كتحفة فنية، حين تراها تشعر بالارتياح كأنك أمام متحف فني أو مسرح أوبرالي، مكان أنيق، الأشجار تحيط به من كل مكان، هادئ لا صخب فيه، ما إن تلج المكان، حتى تترأى لك عشرات اللوحات الشمسية تقابل الشمس. رأينا بساتين توجد فيها نباتات منسقة بعناية، قيل لنا فيما بعد أنها أيضا تخزن أشعة الشمس وهي تحت التجربة، أما في الجهة المقابلة فيوجد خزان كبير لونه بني تحيط به آلات أخرى، يوجد به ملح، حيث تخزن الطاقة الشمسية، وتمتد قدرته الطاقية إلى ثلاث ساعات.
وجرى تدشين المركز سنة 2017 من لدن الملك محمد السادس، ويعتبر المنصة الأولى في إفريقيا، ونموذجا فريدا من نوعه، يعمل على خلق جسر بين الجامعات والوسط السوسيو-اقتصادي من أجل الانتقال بالبحث إلى مرحلة الابتكار. المركز، الذي كانت كلفته 210 ملايين درهم، يسعى إلى تحقيق الاستقلال المالي من خلال البحث والتطوير والخدمات التقنية والعلمية، ثم تكوين المختصين والتطبيق العلمي، وتزويد المدينة الخضراء بالكهرباء النظيفة.
ويشمل مركز الطاقة الخضراء عدة مختبرات في مجال الخلايا الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة موزعة على أكثر من 3000 متر مربع، كما يحتوي على منصة خارجية للاختبار في الهواء الطلق، ومشاريع نموذجية على مساحة 6.5 هكتارات.
أول ما يلاحظه الزائر، ما إن يدخل إلى المركز، أن مكاتبه مرتبة بعناية لا تشبه شكل الإدارات والمعاهد العادية. في وسط البناية توجد مساحة كبيرة وضعت فيها العديد من اللوحات والأجهزة التي تخضع للتجربة. وزير الطاقة والمعادن، عزيز الرباح، كان متحمسا جدا وهو يتحدث عن المركز والإنجاز الذي حققه المغرب بتشييده، حيث قال إن المغرب «لا يمكنه أن يستثمر ملايير الدراهم في مجال الطاقة من أجل الاستجابة لحاجيات المواطنين والاقتصاد الوطني، دون أن تكون لديه صناعة وطنية وبحث علمي في المجال الطاقي، ومن أجل ذلك تخصص الدولة استثمارات مالية مهمة لدعم البحث العلمي، إلى جانب الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية».
واعتزازا بالكفاءة المغربية في مجال الطاقات المتجددة، اعتبر المسؤول الحكومي، الذي كان يتحدث خلال الندوة الافتتاحية للزيارة التي قمنا بها نهاية الأسبوع الماضي، أن الدعم الدولي للبحث العلمي في المغرب يكون «مضاعفا للدعم الذي تقدمه الدولة»، مفسرا ذلك بالثقة التي تحظى بها المملكة لدى المنتظم الدولي، «سواء في ما يخص الكفاءات المغربية أو المراكز والمؤسسات المغربية، ما يجعل المغرب قبلة للبحث العلمي الدولي».
وحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فإن تكلفة البحث العلمي في المركز تبلغ سنويا 30 مليون الدرهم، حيث ينشر 70 مقالا علميا في المجالات العالمية المحكمة في مجال اشتغال المركز، كما أنه أصدر مجلة خاصة به خرج أول عدد منها بداية السنة الجارية، ومن المرتقب أن يُدفع طلب لأن تلتحق بركب المجلات العلمية المحكمة، إذ في العدد الأول اقتصر النشر فقط على المقالات العلمية التي ينتجها المركز، وهذه المجلة هي مغربية إفريقية.
الانفتاح على كفاءات الجامعات العمومية
فاطمة شابة في ال24 من عمرها، طالبة دكتوراه في كلية العلوم والتقنيات، قادتها الصدف إلى هذا المركز لتهيئ فيه بحثها الخاص بالدكتوراه. هذه الشابة، التي تشتغل على موضوع الطاقات المتجددة، استفادت من عدة دورات تكوينية في داخل وخارج المغرب في مجال تخصصها، وتعد من الأطر المستقبلية في المجال، تقول ل«أخبار اليوم» إن «المركز أتاح لها الفرصة للعمل بشكل مباشر في مجال الطاقة المتجددة، والإشراف على عدد من التجارب في هذا الشأن»، وأضافت أنها «من خلال وجودها هنا تعمل مع فريق متكامل مختلف التخصصات، ما جعلها تطلع على التخصصات القريبة من مجال عملها». تدرس فاطمة بمنحة لمدة ثلاث سنوات في المركز، وتعمل على أبحاث بخصوص اللوحات الشمسية لتطويرها، ومعالجة الخلل في كل من مشروعي نور 1 ونور 2».
وترى فاطمة أن مجال الطاقة المتجددة هو مستقبل المغرب، الذي يستطيع إنتاج ما يكفيه من الطاقة وأن يصدرها أيضا، لكنها تربط ذلك بوجود ميزانية ضخمة لإنجاز هذا المشروع، مؤكدة أن «المغرب له أطر أكاديمية وخبرات تستعين بها كبريات دول العالم في المجال، يجب فقط توفير الظروف المناسبة لها للاشتغال». وعن الطريقة التي دخلت بها المركز، تقول فاطمة إنها أنجزت بحث تخرجها للماستر هنا، واستمرت في بحث الدكتوراة.
طالبة جامعية أخرى تهيئ الدكتوراة في المدرسة المحمدية للمهندسين، تعمل بدورها في مجال الطاقة المتجددة، تعتبر أن المركز يفتح المجال للطلبة الباحثين للانفتاح على تجارب عالمية في المجال، وتطوير مؤهلاتهم؛ بالإضافة إلى أنهم يعملون على عينات يقومون بتطويرها وتجويدها»، وقالت إن «على الدولة توفير الإمكانيات للذهاب بهذا الورش إلى الأمام، وبداية توليد الطاقة انطلاقا من الشمس، حيث قالت إن المناخ المغربي يساعده على أن يكون رائدا في المجال، كما يمكنه أن يكون المصدر رقم واحد للوحات الشمسية في إفريقيا بفضل التجارب التي تقام في المغرب الذي يتميز بمناخ قريب من مناخ باقي الدول الإفريقية».
صناعة لوحات شمسية مغربية
طور المركز لوحات شمسية مغربية الصنع بشراكة مع جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، هذه اللوحات، التي أشرف على صنعها مغاربة، تنافس باقي «الماركات العالمية» في الجودة، كما أن ثمنها منخفض عن الأثمنة الموجودة في السوق. وتخضع اللوحات حاليا للتجارب، كما أحدثت شركة جديدة لتسويقها تم صنعها من مادة «silicium».
هذه اللوحات هي من النوع الذي يخزن الحرارة في المناخ الصحراوي، إذ لها قدرة كبيرة على الامتصاص، كما أن مصنعيها ابتكروا تقنية جديدة لمساعدة اللوحات على تتبع أشعة الشمس، تتمثل في «robot» سيركب في جوانب اللوحات، وهذه التقنية جديدة على هذا النوع من اللوحات، حسب المعلومات التي حصلنا عليها.
ويشتغل الباحثون في المركز على مشروع آخر، يتمثل كيفية تبريد الزيت الذي يشغل نوعا من اللوحات التي استعملت في مشروع نور1، وهي ذات شكل مقعر. وعرفت هذه اللوحات العديد من الاختلالات، أهمها أن الزيت حين يسخن يحتاج إلى الماء لتبريده، وهذه التقنية لا يمكن الاستمرار فيها، لأن مشروع نور1 يوجد في منطقة صحراوية تعاني ندرة المياه.
في هذا الصدد، طور المركز تقنية جديدة لتبريد الزيت من خلال «مروحيات» دون استهلاك المياه.
كما يقوم الباحثون بتجارب حول إمكانية تخزين الطاقة بين استعمال الملح والحجر. وحسب خلاصات الأبحاث، فإن لهما القدرة نفسها على التخزين، وهي لا تتجاوز 4 ساعات، لكن الحجر، حسب الباحثين، له قدرة أكبر على الحفاظ على الحرارة من الملح.
السيارات الكهربائية
من بين المشاريع الأساسية التي يشتغل عليها الباحثون، السيارات الكهربائية، حيث جرى القيام بأول تجربة في هذا الشأن بمدينة بنكرير، ولقيت استحسان السكان الذين عبروا، حسب الباحثين المشتغلين في المركز، عن استعدادهم لاستبدال السيارات التقليدية بسيارات كهربائية.
ولايزال المشروع فتيا، إذ يحتاج إلى دراسات وتجهيزات، من بينها بناء محطات للتخزين، وهذا يحتاج إلى وقت كبير وميزانية ضخمة، وفق ما أكدته كوثر بلعبد العزيز، المشرفة على المشروع، مشيرة إلى أنه إذا نجح، سيمكن هذا المشروع من تقليص التلوث الذي يكلف الدولة 10 ملايير من الدراهم، حسب ما صرحت به.
لكن المشكل الذي يسعى المركز إلى إيجاد حلول له، والخاص بالسيارات الكهربائية، يتمثل في البطارية، حيث إنها إذا توقفت عن العمل لا يمكن إصلاحها وإعادة تشغيلها، وهذا الأمر مكلف جدا.